الكلمة النقدية للدكتور أبوذر شهپري وضع الاقتصاد في البلاد
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم – بسم الله الرحمن الرحيم – قال الله تعالى في محكم كتابه:
«إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ» (الرعد: 11)
السادة الأساتذة المحترمون، المديرون الأفاضل، المسؤولون رفيعو المستوى، النخب الاقتصادية الكرام، ممثلو وسائل الإعلام، وضيوفنا الأعزاء،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا الدكتور أبوذر شهبري، رئيس جمعية المراكز المعرفية والنخب الوطنية.
أتقدّم بالشكر الجزيل للسيد بناهی بور والسيدة عليشاهي، المستشارة الموقرة لرئيس الجمهورية، على إتاحة هذه الفرصة لي لأكون بينكم اليوم في مؤتمر المدراء الجهاديين في ساحة الدبلوماسية الاقتصادية للبلاد في مرحلة ما بعد الحرب.
وقد ورد اسم الحرب في عنوان هذا المؤتمر، وأسمحوا لي قبل أن أبدأ كلمتي أن أعلن بكل فخر:
إنّ العدوان الأخير للكيان الصهيوني على تراب وطننا العزيز أثبت – وكما في كل مرة – أن الشعب الإيراني، على اختلاف توجهاته الفكرية والسياسية، وتنوّع معتقداته الدينية، وفي مختلف المهن والشرائح، رجالاً ونساءً، شباباً وشيوخاً، محجبات وغير محجبات، قد وقف صفاً واحداً خلف نظامه وأرضه.
وبفضل حكمة وقيادة سماحة القائد، وبقوة الجيش والقوة الصاروخية لقواتنا المسلحة، تم إحباط الأزمة وإفشال مخططات العدو.
وحين يستهدف العدو علماء ونخب هذا الوطن، فذلك لا يعني إلا خوفه من تقدّم البلاد.
ويحسن بنا في هذا المؤتمر أن نُحيي ذكرى العلماء والنخب الشهداء، مثل الشهيد الدكتور فريدون عباسي، الشهيد الدكتور محمد مهدي طهرانجي، والشهيد الدكتور مينوچهر، الذين كان لنا شرف عضويتهم في المجلس الاستراتيجي لجمعية المراكز المعرفية والنخب الوطنية، والذين استُهدفوا في حرب وعدوان الأعداء.
وأدعو جميع الحاضرين في هذا المؤتمر أن يقفوا إجلالاً وشرفاً لشجاعة وثبات شهداء الحرب الأخيرة التي استمرت 12 يوماً في مواجهة العدوان الصهيوني على أرض وطننا العزيز، وكذلك تقديراً لقواتنا المسلحة وصمود ترابنا الطاهر.
فلنقف لمدة عشر ثوانٍ ونصفق لهم تحية وتقديراً.
«نقف شامخين من أجل الوطن، أقوياء وصلبين»
أحسنتم… أحسنتم… أحسنتم.
لقد اجتمعنا اليوم في هذا المؤتمر لنكرّم المديرين الجهاديين، أولئك الذين حافظوا على شعلة الأمل مضیئة في سنواتٍ عصيبة، رغم قلة الإمكانات وكثرة التحديات، معتمدين على أعلى درجات الالتزام.
لكن الحقيقة هي أنّ التكريم الحقيقي لا يكتمل إلا إذا ترافق مع نقدٍ صادقٍ للواقع الراهن ورسمٍ واضحٍ لطريق المستقبل.
ففي مرحلة ما بعد الحرب، يستطيع المديرون الجهاديون، من خلال الجمع بين المعرفة الاقتصادية والشجاعة الدبلوماسية، أن يفتحوا مساراتٍ جديدةً للتصدير، ويُدخلوا الشركات المعرفية والقطاع الخاص إلى الميدان، ويؤسسوا لأُسس اقتصادٍ مقاوم.
لكن السؤال اليوم هو: لماذا، رغم كل هذه التجارب القيّمة، ما زال اقتصاد البلاد يواجه أزماتٍ خطيرة؟
أيها الأصدقاء الأعزاء، إنّ الحقيقة هي أنّ اقتصاد إيران اليوم يُعاني من مشكلاتٍ كبرى؛ فمعيشة الناس تتعرّض لأذى شديد بفعل ارتفاع الأسعار المتواصل، وأصبحت موائد العائلات أصغر من أي وقتٍ مضى.
انتقل الناس من امتلاك المنازل إلى الاستئجار، ومن الاستئجار إلى السكن في الكرفانات، ومن الكرفانات إلى النوم فوق الأسطح، ومن الأسطح إلى النوم في الحافلات، بل حتى إلى النوم في القبور.
كما تحوّلت بطالة الشباب إلى أحد أَقسى المعضلات الاجتماعية؛ شبابٌ درسوا لسنواتٍ طويلة، لكن فرص العمل تكاد تكون معدومة أمامهم.
أمّا هجرة النخب، وهي النتيجة المباشرة لهذه البطالة واليأس، فقد تركت جرحاً عميقاً في جسد تنمية البلاد.
ومع ذلك، لا بد من توجيه الشكر إلى فخامة رئيس الجمهورية الذي أفسح المجال لعددٍ كبير من الشباب النخبة في أجهزة الدولة، وإن كان من المتوقع أن تُسند المناصب الإدارية العليا في البلاد أيضاً إلى هؤلاء الشباب الأكفاء.
إنّ السياسات الاقتصادية للحكومة، على الرغم من كثرة الوعود، بقيت في معظمها مرحلية، ارتجالية، وخالية من استراتيجية شاملة.
وعلى المسؤولين المحترمين أن يدركوا أنّ شعارات “قفزة الإنتاج” و**”خلق فرص العمل”** لن تتحقق من دون قراراتٍ صعبة، وإصلاحٍ جذريٍ للهياكل، وثقةٍ حقيقيةٍ بالشعب.
إنّ المخرج الحقيقي یتوقف علی في العودة إلى الإدارة الكفوءة والجهادية.
يجب على المديرين أن يتجاوزوا البيروقراطيات المُنهِكة، وأن يتخذوا قراراتٍ شُجاعة، ويعملوا بروحٍ مبتكرة.
ويجب أن يحظى روّاد الأعمال بالدعم، وأن تُزال العقبات من طريقهم في مجال الإنتاج والتصدير، وأن تُرفع العراقيل أمام الحصول على التراخيص، وأن تُكسَر العصيّ التي توضع في عجلة المنتجين والمصدّرين.
كما ينبغي أن تكون الدبلوماسية الاقتصادية حيوية وهادفة؛ فالاكتفاء بالكلام عن استثمار الشبكات الاقتصادية الدولية لا يكفي، بل يجب تحويله إلى برنامجٍ عملي.
ويجب أن نتعلّم الدروس الصحيحة من التجارب السابقة.
إنّ النجاحات تُثبت أنّه حتى في أصعب الظروف يمكن تحقيق النمو، وأنّ فنّ القيادة يكمن في النجاح في الأزمات وتحويلها إلى فرص.
فاصنعوا من الأزمات فرصاً للتقدّم.
أما الإخفاقات فهي تذكيرٌ بأنّ السياسات الخاطئة قادرة على هدر موارد البلاد وتضييق موائد الناس.
ولكن، ما هو الحلّ؟
إنّ النقد يصبح فعّالاً عندما يكون منصفاً، واقعياً، ومصاحَباً بحلول.
والحلول المقترحة هي:
وضع خريطة شاملة للدبلوماسية الاقتصادية بالتنسيق مع جميع الأجهزة وأخذ آراء وحلول المديرين الاقتصاديين في القطاع الخاص.
تقديم الدعم الحقيقي للمنتجين، ليس فقط شعارات، بل على أرض الواقع.
التركيز على الإنتاج الوطني وتوطين التكنولوجيا في مختلف الصناعات.
تقديم خدمات حقيقية للشعب مقابل تحصيل الضرائب.
إحالة المديرين ذوي الخبرة الطويلة (30، 40، 50، 60، 70 سنة خدمة) إلى التقاعد، واستعمالهم عند الضرورة كمستشارين وليس كمديرين.
الثقة بالشباب والنخب واستثمار قدراتهم العلمية في الإدارة العليا للبلاد.
تحقيق الشفافية الاقتصادية ومكافحة الفساد بجدية.
إقامة جسور بين الصناعة والدولة والجامعات.
تعزيز ثقافة العميل محور العمل لضمان القدرة على المنافسة في الأسواق العالمية.
كلّ هذه هي حلول لعبور الأزمات الاقتصادية في مرحلة ما بعد الحرب.
أيها الإخوة والأخوات الأعزاء:
اليوم اجتمعنا في هذا المؤتمر لنقول:
تقدير المديرين الجهاديين يعني تذكيرنا بأنّه بالإيمان، والمعرفة، والابتكار، يمكن بناء مستقبل مشرق.
نقد الوضع الاقتصادي للبلاد يعني صرخة لإنقاذ معيشة الناس وخلق فرص عمل للشباب.
وخطابنا نحن والمجتمع من النخب والمديرين الاقتصاديين في القطاع الخاص إلى المسؤولين هو:
إنّ الناس بحاجة إلى العمل الفعلي أكثر من وعودكم، وبدلاً من تكرار عرض المشاكل في المؤتمرات والمقابلات، فكروا في حلها.
وأختتم كلمتي بقصيدة من سعدي، قصيدة تمنح الأمل وتذكّرنا بمسؤوليتنا:
أحكي للجرحى عن يد الجراح
أنَّ السلیم یلومني حین أغضب
لا تقل لي أنّ سعدي ترك طريق الحب
فما الفائدة من الكلام إن لم أفعله؟
السير في الصحراء أفضل من الجلوس الباطل
وإذا لم أحقق المراد، فاسعى بقدر المستطاع
ليكن هذا المؤتمر بداية للقرارات الكبرى، الإصلاحات الجادة، ومستقبل مشرق لشعب إيران.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.