تدابير خاصة لدعم الفاعلين الاقتصاديين المتضررين من حادثة ميناء الشهيد رجائي
الكاتب: الدكتور سيد حسين هاشمي
الفصل الأول: العموميات
- المقدّمة وبيان المشكلة
يُعدّ ميناء الشهيد رجائي أهم ميناء تجاري في إيران، وهو نقطة الاتصال الرئيسة لاقتصاد البلاد مع الأسواق الدولية، ويلعب دورًا حيويًا في التبادلات الاقتصادية وتوفير فرص العمل ونمو الناتج المحلي الإجمالي. إن وقوع أي حادث في هذا الميناء – سواء كان حريقًا أو انفجارًا أو كارثة طبيعية – قد يخلّف آثارًا واسعة على الفاعلين الاقتصاديين، والتجار، وشركات النقل، والعمال، وفي نهاية المطاف على الاقتصاد الوطني.
في مثل هذه الظروف، تبرز الحاجة إلى وضع وتنفيذ تدابير دعم عاجلة، متوسطة وطويلة الأجل بشكل أكبر من أي وقت مضى. وتتمثل المشكلة الرئيسة لهذا البحث في تحديد الإجراءات التي يمكنها أن تدعم الفاعلين الاقتصاديين المتضررين بفعالية، وفي الوقت نفسه تمنع تكرار الأضرار في المستقبل.
- أهمية ميناء الشهيد رجائي في الاقتصاد الوطني
يتم عبر هذا الميناء أكثر من 50% من واردات وصادرات البلاد.
يُعد هذا الميناء مركزًا لوجستيًا إقليميًا يربط إيران بأسواق آسيا الوسطى والهند والخليج الفارسي.
أي خلل في عمله يعني تأخرًا في سلسلة إمداد السلع، وارتفاع الأسعار، وانخفاض القدرة التنافسية للإنتاج المحلي.
- ضرورة دعم الفاعلين الاقتصاديين المتضررين
منع إفلاس الشركات: كثير من شركات النقل والتجارة تملك رؤوس أموال محدودة، والخسارة الناتجة عن الحادث قد تؤدي إلى إغلاقها.
دعم فرص العمل: يوفر ميناء الشهيد رجائي أكثر من 20 ألف وظيفة بشكل مباشر وغير مباشر.
حماية الأمن الاقتصادي الوطني: إن عدم الاستقرار الاقتصادي الناجم عن الحوادث قد يشكل تهديدًا للأمن القومي.
الفصل الثاني: الأسس النظرية والدراسات السابقة
- النظريات المتعلقة بإدارة الأزمات الاقتصادية
تشمل إدارة الأزمات الإقتصادية مجموعة من السياسات والإجراءات الهادفة إلى تقليل الآثار السلبية للأحداث غير المتوقعة على الاقتصاد. ومن أبرز النظريات:
نظرية المرونة الاقتصادية (Economic Resilience): قدرة الشركات والاقتصاد الوطني على العودة إلى حالة الاستقرار بعد وقوع الأزمة.
نظرية التأمين الاجتماعي: تؤكد على دور الدولة في تغطية الخسائر العامة وحماية الفئات الهشّة.
نظرية الاقتصاد المؤسسي: كفاءة المؤسسات القانونية والتنفيذية عامل حاسم في كيفية إدارة الأزمات.
- تجارب الدول في دعم الفاعلين الاقتصاديين بعد الحوادث الكبرى
اليابان (زلزال كوبي 1995): أنشأت الحكومة صندوقًا خاصًا لتعويض الخسائر وقدمت قروضًا منخفضة الفائدة للشركات الصغيرة والمتوسطة، مما ساهم في إنعاش الاقتصاد المحلي بسرعة.
الولايات المتحدة (إعصار كاترينا 2005): منحت الحكومة مساعدات بلا عوض للأعمال الصغيرة وأقرت إعفاءات ضريبية مؤقتة لتجنب الانهيار الاقتصادي.
الصين (حادث ميناء تيانجين 2015): نفذت برنامج تأمين إلزامي للوحدات الاقتصادية في الميناء مما ساعد على تعويض جزء كبير من الخسائر.
- القوانين والأنظمة في إيران بشأن التعويض عن الخسائر
توجد في إيران تشريعات متفرقة في هذا المجال، منها:
قانون التأمين التجاري (1937م): يحدد دور شركات التأمين في تغطية المخاطر التجارية.
قانون العمل (1990م): يتضمن أحكامًا لدعم العمال في حالات الإغلاق القسري.
قوانين برامج التنمية الخمسية: تؤكد على ضرورة إدارة الأزمات وإنشاء صناديق تأمينية.
قرارات هيئة إدارة الأزمات الوطنية: تهيئة آليات طارئة لدعم المتضررين.
ورغم ذلك، لا يزال غياب نظام شامل ومنسق لتعويض خسائر الحوادث المينائية والتجارية واضحًا.
الفصل الثالث: دراسة أبعاد الحادث
- الآثار الاقتصادية
حادثة ميناء الشهيد رجائي لا تُلحِق أضرارًا مباشرة بالبنى التحتية والبضائع والمعدات فحسب، بل تعطل أيضًا سلسلة التمویل الوطنية والدولية بشكل غير مباشر. ومن أبرز الآثار:
زيادة تكاليف النقل والتخليص الجمركي بسبب توقف النشاط المينائي.
تأخر استيراد السلع الأساسية مثل القمح والأدوية والمواد الأولية للصناعات.
انخفاض الصادرات غير النفطية وبالتالي تراجع العائدات من العملات الأجنبية.
ارتفاع معدلات التضخم نتيجة نقص السلع وزيادة تكاليف المعاملات.
- الآثار الاجتماعية والتوظيف
إغلاق مؤقت أو دائم للشركات الصغيرة والمتوسطة العاملة في الميناء.
بطالة لآلاف العمال والموظفين الخدميين.
زيادة الاستياء الاجتماعي وتراجع الثقة العامة في قدرة الحكومة على إدارة الأزمات.
- الآثار القانونية والتزامات الدولة
من منظور القانون العام، تلتزم الدولة – استنادًا إلى المادتين 29 و40 من الدستور – بحماية المواطنين من الخسائر الناجمة عن الحوادث. كما تلزم العقود التجارية والدولية الحكومة الإيرانية بالاستجابة لمطالب الشركات المحلية والأجنبية.
الفصل الرابع: التدابير القصيرة الأجل
في الأيام والأسابيع الأولى بعد الحادث، يجب تنفيذ الإجراءات الداعمة بسرعة ودون تعقيدات بيروقراطية، ومنها:
- تقديم تسهيلات مصرفية عاجلة: قروض منخفضة أو عديمة الفائدة للفاعلين الاقتصاديين المتضررين، وإنشاء خط ائتمان خاص من البنك المركزي لشركات النقل والتجار.
- تأجيل أو إعفاء من الضرائب والرسوم: تأجيل سداد الضرائب والرسوم الجمركية لمدة 3 إلى 6 أشهر، وإعفاء المتأخرين من الغرامات.
- دعم تأميني فوري: دفع سريع للتعويضات من قبل شركات التأمين، وإلزام هيئة التأمين المركزي بإنشاء صندوق طارئ لتعويض الخسائر الكبيرة.
- مساعدات بلا عوض للوحدات الصغيرة والمتوسطة: تخصيص موارد من الميزانية العامة أو صندوق التنمية الوطني لدعم الوحدات ذات القدرة المحدودة على العودة للعمل.
- دعم لوجستي: نقل الأنشطة الطارئة إلى موانئ بديلة (بندر عباس، بوشهر، جابهار) وتسهيل تخليص السلع الأساسية عبر تقليص الإجراءات المؤقتة.
الفصل الخامس: التدابير المتوسطة الأجل
في الأفق المتوسط (من 3 أشهر إلى عامين بعد الحادث)، ينبغي تركيز السياسات على إعادة بناء البنية الاقتصادية وإحياء النشاط التجاري وزيادة مرونة الفاعلين الاقتصاديين:
- إعادة بناء وتحديث البنية التحتية للميناء: إعادة إعمار الأرصفة والمخازن والمعدات المتضررة وتحديث أنظمة السلامة والإنذار وشبكات الكهرباء والمياه.
- دعم العمال والقوى العاملة: دفع تأمين بطالة خاص للعمال المتضررين حتى عودتهم إلى العمل، وتنفيذ برامج تدريبية لزيادة مهاراتهم، وخلق وظائف بديلة مؤقتة في مشاريع إعادة الإعمار.
- تخصيص موارد مالية خاصة: استخدام موارد صندوق التنمية الوطني لتقديم قروض متوسطة الأجل للتجار، وتشكيل لجنة مشتركة من الحكومة والقطاع الخاص وغرفة التجارة للإشراف على توزيع الموارد، وجذب الاستثمارات الأجنبية بضمانات قانونية وأمنية.
- إصلاح القوانين والأنظمة التجارية: إعداد لوائح جديدة لإدارة الأزمات في الموانئ، وتسهيل إبرام العقود التجارية الجديدة مع الشركاء الأجانب، وإعادة النظر في النظام الضريبي لتخفيف الضغط عن الفاعلين الاقتصاديين خلال فترة إعادة البناء.
الفصل السادس: التدابير الطويلة الأجل
في المدى الطويل (أكثر من عامين)، يتمثل الهدف الرئيسي في إنشاء نظام مستدام وقادر على مقاومة الحوادث المستقبلية، وتشمل التدابير:
- إنشاء صندوق وطني لتعويض الخسائر التجارية: تأسيس صندوق دائم لتعويض خسائر الحوادث في الموانئ والمراكز التجارية، تمويله من الضرائب المينائية وحصة من عائدات النفط ومشاركة القطاع الخاص، مع إدارة شفافة تخضع لرقابة ديوان المحاسبات ومنظمة التفتيش.
- توسيع التأمينات الإلزامية: إلزام جميع الشركات العاملة في الموانئ بالحصول على تأمين تجاري شامل، وتصميم تأمينات متخصصة (تأمين حريق مينائي، تأمين سلسلة الإمداد)، وتشجيع استخدام إعادة التأمين الدولية لتقليل مخاطر الدولة.
- تطوير تقنيات السلامة وإدارة الأزمات: تركيب أنظمة ذكية للإنذار المبكر، واستخدام تقنيات حديثة لمراقبة البضائع والمخازن (مثل إنترنت الأشياء)، وتدريب مستمر للعاملين المينائيين على إدارة الأزمات والاستجابة السريعة.
- إصلاح الهيكل المؤسسي والحكومة الميناء: التركيز على الشفافية ومكافحة الفساد في تخصيص الموارد والعقود، وتعزيز التعاون الدولي مع المنظمات البحرية لرفع معايير السلامة، وإنشاء هيئات رقابية مستقلة لتقييم جاهزية الموانئ لمواجهة الحوادث.
الفصل السابع: الخلاصة والتوصيات السياسية
- الخلاصة
يُعدّ حادث ميناء الشهيد رجائي – باعتباره أهم شريان تجاري لإيران – أزمة وطنية ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية وقانونية واسعة. أظهرت الدراسة أن:
الخسائر الاقتصادية الناجمة عن توقف النشاط المينائي تؤثر مباشرة على معدلات التضخم والتوظيف والإيرادات من العملات الأجنبية.
اجتماعيًا، يشكل تفشي البطالة وتراجع الثقة العامة أبرز تداعيات الحادث.
قانونيًا، تلتزم الدولة وفق الدستور وقوانين التأمين وإدارة الأزمات بتقديم الدعم اللازم للفاعلين الاقتصاديين.
وعليه فإن اعتماد تدابير قصيرة، متوسطة وطويلة الأجل أمر لا مفر منه: القصيرة تركز على سرعة التعويض، والمتوسطة تهدف إلى إعادة بناء البنية التحتية وإنعاش التوظيف، والطويلة تسعى إلى إنشاء هياكل مستدامة للوقاية وإدارة الأزمات المستقبلية.
- التوصيات السياسية
استنادًا إلى نتائج البحث، تُقدَّم التوصيات التالية:
- إنشاء نظام شامل لدعم الفاعلين الاقتصاديين المتضررين يتيح التسجيل وتقييم الخسائر وتلقي المساعدات إلكترونيًا وبشفافية.
- تشكيل لجنة وطنية لأزمات التجارة تضم وزارة الاقتصاد، منظمة الموانئ، غرفة التجارة، هيئة التأمين المركزي، والسلطة القضائية.
- تطوير نظام تأمين إلزامي لجميع الشركات العاملة في الموانئ تحت إشراف هيئة التأمين المركزي ودعم الدولة.
- تخصيص نسبة من إيرادات الموانئ لصندوق وطني لتعويض الخسائر كمصدر دائم ومستقر.
- تعزيز التعاون الإقليمي والدولي لتبادل الخبرات في إدارة أزمات الموانئ.
- إعادة النظر في الإطار القانوني والعقدي للموانئ بهدف تسريع عملية التعويض وتقليل البيروقراطية.
- الاستثمار في تقنيات السلامة الذكية ومراقبة البضائع للحد من احتمال تكرار الحوادث.
- دعم خاص للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة باعتبارها الفئة الأكثر عرضة للخسائر في الأزمات الاقتصادية.
قائمة المراجع
المراجع الفارسية
- دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
- قانون التأمين التجاري (1937).
- قانون العمل في الجمهورية الإسلامية الإيرانية (1990).
- قانون برنامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية السابع.
- مركز بحوث مجلس الشورى الإسلامي، تقارير تحليلية حول إدارة الأزمات والموانئ الإيرانية.
- موسوي، أحمد. إدارة الأزمات في اقتصاد إيران. طهران: منشورات سمت، 2019.
- رضائي، مريم. دور الموانئ في التنمية الاقتصادية لإيران. مجلة الاقتصاد والتنمية، العدد 57، 2021.
- منظمة الموانئ والملاحة البحرية، الإحصاءات والتقارير السنوية لميناء الشهيد رجائي.
المراجع الأجنبية
- Alexander, D. (2013). Principles of Emergency Planning and Management. Oxford University Press.
- Boin, A., McConnell, A., & ‘t Hart, P. (2010). Governing After Crisis. Cambridge University Press.
- Gritsenko, D. (2018). “Maritime Ports and Economic Resilience: Lessons from Global Experiences.” Journal of Maritime Policy & Management, 45(3).
- OECD (2014). Risk Management and Corporate Governance. OECD Publishing.
- UNCTAD (2020). Review of Maritime Transport. United Nations.
6.Yamamura, E. (2014). “Disaster Management and Economic Recovery after the Kobe Earthquake.” Regional Science and Urban Economics, 47.
- Zhang, W. (2017). “Policy Responses to the Tianjin Port Explosion.” China Economic Journal, 10(2).
للقراءة المقال باللغة الفارسية،ميناء الشهيد رجائي ادخل الرابط