سياسات الدولة في مجال صناعة البناء ودور البناء في اقتصاد الدولة
بقلم: مؤمن شهبري سياسي وخبير في العلوم السياسية
المقدمة
يُعد قطاع البناء أحد المحركات الرئيسية للاقتصاد، ويلعب دورًا فريدًا في التنمية الاقتصادية للدولة. هذا القطاع، بالإضافة إلى تأثيره المباشر على خلق فرص العمل، يعزز القطاعات الأخرى مثل إنتاج المواد، والنقل، والخدمات الفنية والهندسية، وحتى الصناعات المرتبطة بالطاقة. لذلك، فإن وضع السياسات في مجال البناء لا يسهم فقط في تطوير هذا القطاع، بل يقوي أيضًا أسس الاقتصاد الوطني. في هذه المقالة، سيتم استعراض سياسات الدولة في مجال البناء وتأثيرها على الاقتصاد.
١. دور قطاع البناء في الاقتصاد الوطني
خلق فرص عمل واسعة النطاق
يعد قطاع البناء من أكبر القطاعات الموفرة للوظائف في الدولة، من العمال البسطاء إلى المهندسين والمقاولين والاستشاريين. وفق الإحصاءات، يمكن لكل مشروع بناء أن يخلق آلاف الفرص الوظيفية مباشرة وغير مباشرة.
العلاقة المباشرة مع الناتج المحلي الإجمالي (GDP)
يعتبر البناء جزءًا من البنية التحتية الاقتصادية وله حصة كبيرة في الناتج المحلي الإجمالي. ازدهار هذا القطاع يعني زيادة GDP والنمو الاقتصادي، كما أن الاستثمار فيه يمكن أن يوجه الموارد المالية إلى القطاعات الأخرى.
تعزيز الصناعات المرتبطة
يحفز قطاع البناء الصناعات المرتبطة مثل الصلب، والإسمنت، والطوب، والزجاج، وغيرها من مواد البناء، مما يضمن النمو الاقتصادي في القطاعات الأخرى أيضًا.
٢. سياسات الدولة في قطاع البناء
دعم إنتاج المساكن
من أهم سياسات الحكومة زيادة إنتاج المساكن من خلال برامج مثل «المساكن الوطنية» والمبادرات الحديثة لبناء مساكن داعمة للمواطنين، بهدف زيادة العرض وتقليل الأسعار. نجاح هذه السياسات يتطلب إدارة فعّالة للموارد، ومراقبة دقيقة، وتوفير البنية التحتية اللازمة.
توفير بيئة للاستثمار
تعمل الحكومة على تشجيع الاستثمار في البناء من خلال الحوافز الضريبية، وتسهيل قوانين الاستثمار، وإنشاء صناديق دعم المشاريع، مما يسهم في جذب رؤوس الأموال المحلية والأجنبية.
تطوير البنية التحتية
تشمل مهام الحكومة تطوير شبكات النقل، وتوفير المياه والكهرباء، وإنشاء البنية التحتية الحضرية الضرورية لنجاح مشاريع البناء.
تسهيل إصدار التراخيص
تعد البيروقراطية وتعقيد إجراءات التراخيص أحد أبرز المعوقات، لذلك يجب أن تركز السياسات على تبسيط هذه الإجراءات وتقليل العقبات الإدارية.
الاهتمام بالإسكان الاجتماعي والميسور التكلفة
لضمان تلبية احتياجات ذوي الدخل المحدود، يجب على الحكومة وضع سياسات لبناء مساكن اجتماعية بأسعار مناسبة، مما يساهم في تقليل الفقر وتعزيز العدالة الاجتماعية.
٣. تحديات وضع السياسات في البناء
غياب التخطيط طويل الأمد
يعد نقص التخطيط الاستراتيجي طويل المدى من أضعف جوانب السياسات، حيث غالبًا ما تكون البرامج قصيرة المدى وغير متوافقة مع احتياجات المستقبل.
عدم توفير التمويل المستدام
يتطلب قطاع البناء استثمارات كبيرة، ونقص التمويل المستدام واعتماده على الميزانية الحكومية يمثل تحديًا أساسيًا.
المشاكل البنية التحتية
نقص البنية الأساسية مثل المياه والكهرباء والغاز يعيق تطوير المشاريع.
ضعف الرقابة والإشراف
ضعف الرقابة على المشاريع وعدم الشفافية في العمليات التنفيذية يؤدي إلى هدر الموارد وتقليل جودة البناء.
٤. تأثير السياسات على الاقتصاد
زيادة الاستثمار الداخلي والخارجي
من خلال السياسات الداعمة وتهيئة بيئة ملائمة، يمكن للقطاع أن يصبح جذابًا للمستثمرين، مما يسهم في النمو الاقتصادي وخلق الوظائف.
زيادة القدرة الشرائية للمواطنين
السياسات مثل توفير التسهيلات المالية للبناء وخفض تكاليف المشاريع تزيد من القوة الشرائية وتعزز سوق العقارات.
خفض الفقر وتعزيز العدالة الاجتماعية
تطوير الإسكان الاجتماعي يساهم في تحسين جودة حياة الفئات ذات الدخل المحدود ويعزز العدالة الاجتماعية.
٥. العلاقة بين البناء والسياسات الاقتصادية الكلية
دور في السيطرة على التضخم
يزداد تأثير قطاع البناء على أسعار السوق؛ فزيادة إنتاج المساكن تساعد على استقرار الأسعار ومنع التضخم.
التكامل مع السياسات المالية والنقدية
تلعب البنوك والمؤسسات المالية دورًا رئيسيًا في تمويل المشاريع، والسياسات النقدية مثل تقديم القروض وتقليل أسعار الفائدة تعزز النشاط في القطاع.
التكامل مع سياسات الطاقة
تعد المباني من أكبر مستهلكي الطاقة، لذا فإن سياسات تحسين كفاءة الطاقة واستخدام التكنولوجيا الحديثة تؤثر إيجابيًا على القطاع والاقتصاد.
الخلاصة
يعد قطاع البناء أحد الركائز الأساسية للنمو الاقتصادي، ويحتاج إلى سياسات دقيقة واستراتيجية. على الحكومة التخطيط طويل الأمد، وتأمين التمويل المستدام، وتطوير البنية التحتية، وتعزيز الرقابة، لضمان قوة القطاع وزيادة مساهمته في الاقتصاد. كما يجب تصميم السياسات بحيث تحقق تكاملًا بين البناء وبقية القطاعات الاقتصادية، لتحقيق أقصى استفادة من إمكانات هذا القطاع للنمو والتطوير الوطني.

